بيان أنواع البدعة وحكمها:
[size=24]اعلم أنّ البدعة لغة ما أُحدث على غير مثال سابق، وفي الشرع المحدث الذي لم ينصَّ عليه القرءان ولا جاء في السنّة. قال ابن العربي: "ليست البدعة والمحدث مذمومين للفظ بدعة ومحدث ولا معنييهما، وإنما يذم من البدعة ما يخالف السنّة، ويذمّ من المحدثات ما دعا إلى الضلالة". ا.هـ.
أقسام البدعة
والبدعة تنقسم إلى قسمين:
بدعة ضلالة: وهي المحدثة المخالفة للقرءان والسنّة.
وبدعة هدى: وهي المحدثة الموافقة للقرءان والسنّة.
روى الحافظ البيهقي بإسناده في مناقب الشافعيّ عن الشافعي رضي الله عنه قال: "المحدَثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالفُ كتابًا أو سنّة أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه البدعة الضلالة، والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة" اهـ، وقال الشافعي: "البدعة بدعتان: محمودة ومذمومة، فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم" اهـ.
وقال النووي في كتاب تهذيب الأسماء واللغات ما نصّه: "البدعة بكسر الباء في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة. قال الإِمام الشيخ المجمع على إمامته وجلالته وتمكّنه في أنواع العلوم وبراعته أبو محمّد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه في ءاخر كتاب القواعد: "البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرّمة ومندوبة ومكروهة ومباحة. قال: والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإِيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فمحرّمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة". انتهى كلام النووي.
وقال الفقيه ابن عابدين الحنفي في ردّ المحتار ما نصّه: "فقد تكون البدعة واجبة كنصب الأدلّة للردّ على أهل الفِرق الضالّة، وتعلّم النحو المفهم للكتاب والسنّة، ومندوبة كإحداث نحو رباط ومدرسة، وكل إحسان لم يكن في الصدر الأول، ومكروهة كزخرفة المساجد، ومباحة كالتوسّع بلذيذ المآكل والمشارب والثياب". اهـ.
وهذا التقسيم مفهوم من حديث البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". ورواه مسلم بلفظ ءاخر وهو: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". فأفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "ما ليس منه" أن المحدث إنما يكون ردًّا أي مردودًا إذا كان على خلاف الشريعة وأن المحدَث الموافق للشريعة ليس مردودًا.
قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللهِ} [سورة الحديد/27]. فهذه الآية يستدلّ بها على البدعة الحسنة، لأن معناها مدح الذين كانوا مسلمين مؤمنين من أمّة عيسى متبعين له عليه السلام بالإِيمان والتوحيد، فالله تعالى مدحهم لأنهم كانوا أهل رأفة ورحمة ولأنهم ابتدعوا رهبانية، والرهبانية هي الانقطاع عن الشهوات، حتى إنهم انقطعوا عن الزواج رغبة في تجرّدهم للعبادة. فمعنى قوله تعالى: {كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [سورة الحديد/27] أي نحن ما فرضناها عليهم إنما هم أرادوا التقرّب إلى الله، فالله تعالى مدحهم على ما ابتدعوا مما لم ينصَّ لهم عليه في الإِنجيل ولا قال لهم المسيح بنص منه، إنما هم أرادوا المبالغة في طاعة الله تعالى والتجردّ بترك الانشغال بالزواج ونفقة الزوجة والأهل، فكانوا يبنون الصوامع أي بيوتًا خفيفة من طين أو من غير ذلك على المواضع المنعزلة عن البلد ليتجرّدوا للعبادة.
وهاك أحاديث وأقوال العلماء التي تدلُّ على هذا:
منها ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله البَجَليّ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن سنّ في الإِسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء، ومن سنّ في الإِسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شىء".
وفي صحيح البخاري في كتاب صلاة التراويح ما نصّه: قال ابن شهاب: "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس على ذلك"، قال الحافظ ابن حجر: "أي على ترك الجماعة في التراويح". ثمَّ قال ابن شهاب في تتمة كلامه: "ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر رضي الله عنه". وفي البخاري أيضًا تتميمًا لهذه الحادثة عن عبد الرَّحمن ابن عبدٍ القاري أنه قال: "خرجت مع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلّي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أُبيّ بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم، قال عمر: نِعمَ البدعة هذه". ا.هه. وفي الموطأ بلفظ: "نعمت البدعة هذه". ا.هـ.
قال الحافظ ابن حجر :"قوله: قال عمر: نِعمَ البدعة" في بعض الروايات: نعمت البدعة بزيادة التاء. والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع في مقابل السنّة فتكون مذمومة، والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة". ا.هـ. ومراده بالأحكام الخمسة: الفرض والمندوب والمباح والمكروه والحرام.
وأخرج البخاري في صحيحه: "عن رِفاعة بن رافع الزُّرَقي قال: كنّا يومًا نصلّي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده" قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف قال :"من المتكلّم" قال: أنا، قال: "رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيّهم يكتبها أول".
قال ابن حجر في الفتح في شرح هذا الحديث :"واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور". ا.هـ.
وروى أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمر أنه كان يزيد في التشهّد: "وحده لا شريك له"، ويقول: أنا زدتها. ا.هـ.
وقال النووي في روضة الطالبين في دعاء القنوت ما نصّه: "هذا هو المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد العلماء فيه: "ولا يعزّ من عاديت" قبل: "تباركت وتعاليت" وبعده: "فلك الحمد على ما قضيت أستغفرك وأتوب إليك". قلت: قال أصحابنا: لا بأس بهذه الزيادة. وقال أبو حامد والبَنْدَنِيجيُّ وءاخرون: مستحبة". انتهى كلام النووي.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح ما نصّه :"وقد جاء عنه ـ أي عن ابن عمر ـ الجزم بكونها محدثة ـ أي صلاة الضحى ـ فروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر أنه قال: إنها محدثة وإنها لمن أحسن ما أحدثوا، وسيأتي في أول أبواب العمرة من وجه ءاخر عن مجاهد قال: "دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة وإذا ناس يصلون الضحى، فسألناه عن صلاتهم فقال: بدعة. وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن الحكم بن الأعرج عن الأعرج قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى فقال: بدعة ونعمت البدعة. وروى عبد الرزّاق بإسناد صحيح عن سالم عن أبيه قال: لقد قتل عثمان وما أحد يسبحها، وما أحدث الناس شيئًا أحب إلي منها". ا.هـ.
منقول من منتدى muslems.net الإسلامي للأمانة.